01 يونيو 2010

من هديه صلى الله عليه وسلم

من هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في التعليم




هذه وقفات يسيرة مع هديه - صلى الله عليه وسلم - فـي التعليم ، ولا شك أن هذا الباب واسع ويحتاج لاستقصاء وجمع لا يتيسر لأمثالي ، لكن هـذا غاية ما توصلت إليه في بحثي القاصر ، ورحم الله من أفادنا بملاحظة ، أو إضافة ، أو توجيه .

عنايته بتعليم المنهج العلمي





ففي تربيته العلمـية لأصحابه ما كان يقتصر على تعليم أصحابه مسائل علمية فقط، بل ربى علماء ومجتهدين ، وحملة العلم للبشرية . ولقد ظهرت آثار هذه التربية على صحابته في مواقفهم بعد وفاته من حادثة الردة ، وجمع القرآن ، وشرب الخمر ، واتخاذ السجون ، والخراج وغير ذلك من المسائل التي اجتهد فيها صحابته -رضوان الله عليهم- ، فلم يقفوا مكتوفي الأيدي أمام النوازل التي واجهتهم ، واستطاعوا أن يتوصلوا فيها للحكم الشرعي ، كل ذلك كان نتاج التربية التعليمية التي رباهم عليها - صلى الله عليه وسلم - ومن معالم تعاليمه المنهج العلمي :





1- تعويدهم على معرفة العلة ومناط الحكم

فلما سئل عن بيع الرطب بالتمر ، قال : ["أينقص الرطب إذا جف ؟" ، قالوا نعم ، فنهى عن ذلك](رواه الخمسة) .. وحين نهاهم عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها قال لهم : ["أرأيت إن منع الله الثمرة بم تستحل مال أخيك؟"](البخاري ومسلم) . وحين قال : ["وفي بضع أحدكم صدقة" ، قالوا له : أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ، قال : "أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر" ، قالوا نعم ، قال : "فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجراً"](مسلم) .

ففي هذه النصوص علم أصحابه علة الحكم ومناطه ، ولم يقتصر على الحكم وحده .

2



- تعويدهم على منهج السؤال وأدبه

ففي موضع يقول : [إن أعظم المسلمين في المسلمين جرماً من سأل عن شيء لم يحرم على المسلمين فحرم من أجل مسألته]البخاري ومسلم) ، و : [إن الله كره لكم قيل وقال وكثرة السؤال ، وإضاعة المال](متفق عليه) . فها هنا يذم السؤال ، لكنه في موضع آخر يأمر بالسؤال ، أو يثني عليه : [ألا سألوا إذ لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال](أبو داود) ، [لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث]البخاري) .





3- الإجابة بالقواعد العامة

سأله رجل : إنا نركب البحر ومعنا القليل من الماء فإذا توضأنا به عطشنا ، أفنتوضأ بماء البحر ؟ فلم يقتصر - صلى الله عليه وسلم - في إجابته على قوله نعم ، وإلا كان الحكم قاصراً على الحالة موضع السؤال وحدها ، إنما أعطاه حكم ماء البحر وزاده فائدة أخرى يحتاج إليها حين قال :[هو الطهور ماؤه الحل ميتته](الترمذي وصححه) ، ويعني هذا أن ماء البحر له سائر أحكام الماء الطهور ، وليس فقط يجوز الوضوء به في هذه الحالة . وسئل : ما يلبس المحرم من الثياب ؟ ، فقال : [لا يلبس المحرم القميص ولا العمامة ولا السراويل ولا البرنس ولا ثوباً مسه ورس ولا زعفران ولا الخفين](الشيخان) ، فلم يعدد له ما يجوز للمحرم لبسه بل أعطاه قاعدة عامة فيما يحل وما لا يحل للمحرم لبسه .

4



- تربيته لأصحابه على منهج التلقي

[عن العرباض بن سارية -رضي الله عنه- قال : وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موعظة ذرفت منها العيون ، ووجلت منها القلوب ، فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا ، فقال : "أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد ، وإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عضوا عليها بالنواجد](الترمذي وقال حسن صحيح) ، وقال في وصف الطائفة الناجية : [من كانوا على ما مثل أنا عليه اليوم وأصحابي](أبو داود) . وحين رأى مع عمر صحيفة من التوراة غضب ، ونهاه عن ذلك ، وقال : [لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي](أحمد) .

5



- تربيتهم على منهج التعامل مع النصوص

خرج على أصحابه وهم يتمارون في القدر ، هذا ينزع آية ، وهذا ينزع آية فغضب حتى كأنما فقىء في وجهه حب الرمان من الغضب . وقال : [بهذا أمرتم ، أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض ؟! ، انظروا إلى ما أمرتكم به فاتبعوه ، وما نهيتم عنه فاجتنبوه](أحمد) .

6



- تعويدهم على الاستنباط

سأل أصحابه يوماً : "إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها ، وإنها مثل المسلم ، فحدثوني ما هي" . قال ابن عمر - راوي الحديث - فوقع الناس في شجر البوادي ، قال عبد الله ووقع في نفسي أنها النخلة فاستحييت . ثم قالوا : حدثنا ما هي يا رسول الله ؟ قال : "هي النخلة"(الشيخان) .

7



ـ تربيتهم على القيام بواجب العلم

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار"(أحمد) . وقال - صلى الله عليه وسلم - : "بلغوا عني ولو آية"(البخاري) . وقال - صلى الله عليه وسلم - : "نضر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع". وقد روى هذا الحديث (24) من أصحابه مما يشعر أنه قاله - صلى الله عليه وسلم - في أكثر من مناسبة .

وانظر إلى أثر هذه التربية في قول أبي ذر -رضي الله عنه- : "لو وضعتم الصمصامة - السيف - على هذه - وأشار إلى رقبته - واستطعت أن أنفذ كلمة سمعتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قبل أن تجهزوا علي لأنفذتها"(البخاري) .

8



ـ ترغيبه أصحابه في العلم

ولا شك أن لذلك الترغيب دوراً كبيراً في إيجاد الحماسة لدى طالب العلم للتعلم ، والاستزادة من ينابيعه. فحين جاء ثلاثة نفر وهو جالس مع أصحابه فجلس أحدهم خلف الحلقة ، والآخر رأى فرجة فجلس فيها ، وأما الثالث فأعرض ، فقال - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك : "أما الأول فآوى فآواه الله ، وأما الثاني فاستحيا فاستحيا الله منه ، وأما الثالث فأعرض ، فأعرض الله عنه"(البخاري) .

9



ـ تشجيع الطالب والثناء عليه

سأله أبو هريرة -رضي الله عنه- يوماً : من أسعد الناس بشفاعتك ؟ فقال - صلى الله عليه وسلم - : "لقد ظننت أن لا يسألني أحد عن هذا الحديث أول منك لما علمت من حرصك على الحديث"(البخاري) ،

فتخيل معي أخي القارئ موقف أبي هريرة ، وهو يسمع هذا الثناء وهذه الشهادة من أستاذ الأساتذة ، وشيخ المشايخ - صلى الله عليه وسلم - ، بحرصه على العلم بل وتفوقه على الكثير من أقرانه ، وتصور كيف يكون أثر هذا الشعور دافعاً لمزيد من الحرص أو الاجتهاد .

وحين سأل أبي بن كعب : "أبا المنذر أي آية في كتاب الله أعظم ؟" ، فقال أبي : "آية الكرسي" ، قال له : "ليهنك العلم أبا المنذر"(مسلم) .



منق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق